ترامب وخطة تهجير سکان غزة

الکاتب: عابد حسین بارکزهي 

إن خطة ترامب لتهجیر الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول أخرى، بما في ذلك الأردن ومصر، بحجة إعادة بناء غزة وتحويلها إلى أرض جميلة وحديثة، ليست أكثر من تنفيذ عقيدة أميركا الجديدة في الشرق الأوسط دون وجود دولة تسمى دولة فلسطين وقد لاقت هذه الخطة ترحيبا واحتفالا من قِبل المتطرفين الصهاينة، كما عارضها العالم بشدة.

 ومن الخطأ تماماً أن نتصور أن إعلان ترامب عن مثل هذه الخطة جاء من باب النشوة والسُكر والجنون؛ ترامب ليس غبياً ولا مجنوناً، بل هو ينفذ بدقة وخطوة بخطوة مشروع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لإنشاء شرق أوسط أميركي جديد، يتمركز حول إسرائيل. وخلال ولایة ترامب الأولى، تم الكشف عن هذه الخطة مع مشروع تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية لكن بعد أحداث 7 أكتوبر فشلت هذه الخطة ودخلت في غيبوبة.
 
وبذريعة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استخدم بايدن أسلوباَ جديداَ لإطلاق العنان لطموحاته الصهيونية من خلال 15 شهراَ من الحرب وإراقة الدماء في غزة لإضعاف ما يسمى محور المقاومة.

في هذه الفترة، يحاول ترامب دفع خطة الشرق الأوسط الجديدة إلى الأمام من خلال اتخاذ إجراءات أكثر جرأة وعدوانية لتحقيق خطة تطبيع العلاقات الميتة.

 سيناريوهات ترامب المحتملة للفلسطينيين:

 السيناريو الأول؛ في هذه المرحلة من تنفيذ الخطة، يحاول ترامب من خلال طرح قضية تهجير الفلسطينيين، واحتلال غزة، والحزم العسكرية السخية، والأمر التنفيذي بممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران، أن یوصل رسالة إلى النظام الصهيوني، بأنه يجب عليه الحفاظ على وقف إطلاق النار الهش وشبه الدائم في غزة في الوقت الحالي، حتى يتمكن في المراحل التالية، بحجة إعادة بناء غزة، من إكمال مشروع التطهير العرقي وتشريد سكان غزة. وفي الوقت نفسه، بهذه الرسالة، يمكنه إقناع المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية بمنع سقوط بيبي في الوقت الراهن.
السيناريو الثاني؛ كانت الولايات المتحدة تأمل أن تتمكن، بفضل الدعم الاستخباراتي والعسکري من النظام الإسرائيلي، من تدمير حماس بالكامل ولكن هذا لم يحدث.

ولذلك، ونظراً لضعف حماس وخسارة العديد من قادتها، وإضعاف محور المقاومة في المنطقة، يحاول ترامب هذه المرة تهميش حماس وتطهير غزة من حماس من خلال إشراك الدول العربية في إعادة إعمار غزة، ودعم حكومة رام الله في إدارة غزة، وخلق الانقسامات داخل الفلسطينيين.

ولكن بالنظر إلى تصريحات ترامب الأخيرة بأن إسرائيل دولة صغيرة، يتخيلها بحجم رأس قلم في الشرق الأوسط، وزعمه بأن أراضي إسرائيل يجب أن تزداد، فإن هذا يظهر أن ترامب لديه لمحة أيضا عن الخطة الخطيرة للغاية المتمثلة في ضم غزة والضفة الغربية إلى الأراضي الإسرائيلية.

ويعتزم ترامب استكمال مشروع تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية عبر صفقة كبرى مع الدول العربية، بحيث تُنسى قضية الدولة الفلسطينية إلى الأبد.

ولكن يجب أن ندرك أن الميدان والواقع في غزة يظهران شيئاً آخر؛ فالجيش الصهيوني، بإلقاء أكثر من ثمانين ألف طن من القنابل وفرض عقیدة الأرض المحروقة على غزة، لم يتمكن من كسر حماس ومقاومة الشعب طيلة خمسة عشر شهراً من الحرب. فكيف له أن يحقق هدفه في ظل الخداع السياسي الأميركي الذي يعرفه الشعب الفلسطيني والغزّي، وشعوب المنطقة على حد سواء؟!السيناريو الثالث؛ إن هذا السيناريو الذي يبدو أكثر ترجيحا من السيناريوين السابقين هو أن مزاعم ترامب المنحازة في الأيام القليلة الماضية هي في معظمها آمال ورغبات ذهنية لترامب العجوز الغبي لإظهار هيمنة وتفوق النظام الجديد لترامبية أمريكا على العالم. وبالتالي فإن الادعاء المستحيل بنقل 2.5 مليون شخص من غزة إلى دول أخرى واحتلال غزة، مثل مزاعم ترامب الأخرى بشأن شراء واحتلال جرينلاند، وغزو بنما، واحتلال قناة بنما، والصفقة مع روسيا مقابل جزء من أراضي أوكرانيا، والحروب التجارية مع الصين وأوروبا وكندا والمكسيك ومجموعة البريكس، وإخضاع إیران والاستیلاء على برنامجها النوويه بموجب مرسوم سياسة الضغط القصوى، لم يتحقق ولن يتحقق.

وبما أن ترامب قد عدّل على ما يبدو بعض أساليبه وخطواته في العصر الجديد، ويتبع نهجًا أكثر نضجًا مقارنة برئاسته السابقة؛ ولكنها رغم ذلك تكرر في أساليبها ومواقفها أخطاء الماضي في السياسة الخارجية.

ولا يجب أن ننسى أن ترامب الجديد أصبح أكثر خطورة على وجود الدولة الفلسطينية وتشكيل دولة مستقلة لها مقارنة بالفترة السابقة؛ ولكن شعب غزة، من خلال التضحية بخمسين ألف شخص، ومقاومتهم للبقاء في غزة المدمرة وعدم التنازل حتى عن شبر واحد من أرضهم للصهاينة، أظهر للعالم أن الوطن يعني الأم، يعني الكرامة، يعني الهوية ويعني كل شيء.